سورة البقرة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قال الله تعالى: {أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} يخفون {وَمَا يُعْلِنُونَ} يبدون يعني اليهود.
وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} أي من اليهود أميون لا يحسنون القراءة والكتابة، جمع أمي منسوب إلى الأم كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة.
وروي عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنا أمة أمية أي لا نكتب ولا نحسب» وقيل: هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة {لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ} قرأ أبو جعفر: أماني بتخفيف الياء كل القرآن حذف إحدى الياءين تخفيفا وقراءة العامة بالتشديد، وهي جمع الأمنية وهي التلاوة، قال الله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [52- الحج] أي في قراءته، قال أبو عبيدة: إلا تلاوته وقراءته عن ظهر القلب لا يقرءونه من كتاب، وقيل: يعلمونه حفظا وقراءة لا يعرفون معناه. وقال ابن عباس: يعني غير عارفين بمعاني الكتاب، وقال مجاهد وقتادة: إلا كذبا وباطلا قال الفراء: الأماني: الأحاديث المفتعلة، قال عثمان رضي الله عنه: ما تمنيت منذ أسلمت أي ما كذبت، وأراد بها الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم ثم أضافوها إلى الله عز وجل من تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وقال الحسن وأبو العالية: هي من التمني، وهي أمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله عز وجل مثل قولهم {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} [111- البقرة] وقولهم: {لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} [80- البقرة] وقولهم {نحن أبناء الله وأحباؤه} [18- المائدة] فعلى هذا تكون إلا بمعنى لكن أي لا يعلمون الكتاب لكن يتمنون أشياء لا تحصل لهم {وَإِنْ هُمْ} وما هم {إِلا يَظُنُّونَ} وما هم إلا يظنون ظنا وتوهما لا يقينا، قاله قتادة والربيع، قال مجاهد: يكذبون.
قوله تعالى: {فَوَيْل} قال الزجاج: ويل كلمة يقولها كل واقع في هلكة، وقيل: هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور، وقال ابن عباس: شدة العذاب، وقال سعيد بن المسيب: ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حره.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث أنه حدث عن أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوي فهو كذلك».
{لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا} وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم وسلم المدينة، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة، وكانت صفته فيها: حسن الوجه، حسن الشعر، أكحل العينين، ربعة، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرءوا ما كتبوا فيجدونه مخالفا لصفته فيكذبونه وينكرونه، قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} يعني ما كتبوا بأنفسهم اختراعا من تغيير نعت محمد صلى الله عليه وسلم {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} المآكل ويقال: من المعاصي.


{وَقَالُوا} يعني اليهود {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ} لن تصيبنا النار {إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} قدرا مقدرا ثم يزول عنا العذاب ويعقبه النعيم واختلفوا في هذه الآية، قال ابن عباس ومجاهد: كانت اليهود يقولون: هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوما واحدا ثم ينقطع العذاب بعد سبعة أيام. وقال قتادة وعطاء: يعنون أربعين يوما التي عبد فيها آباؤهم العجل، وقال الحسن وأبو العالية: قالت اليهود: إن ربنا عتب علينا في أمرنا، فأقسم ليعذبنا أربعين يوما فلن تمسنا النار إلا أربعين يوما تحلة القسم، فقال الله عز وجل تكذيبا لهم: {قُلْ} يا محمد {أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ} ألف استفهام دخلت على ألف الوصل، عند الله {عَهْدًا} موثقا أن لا يعذبكم إلا هذه المدة {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ} ووعده قال ابن مسعود: عهدا بالتوحيد، يدل عليه قوله تعالى: {إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} [87- مريم] يعني: قوله لا إله إلا الله {أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
ثم قال: {بَلَى} وبل وبلى: حرفا استدراك ومعناهما نفي الخبر الماضي وإثبات الخبر المستقبل {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} يعني الشرك {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} قرأ أهل المدينة خطيئاته بالجمع، والإحاطة الإحداق بالشيء من جميع نواحيه، قال ابن عباس وعطاء والضحاك وأبو العالية والربيع وجماعة: هي الشرك يموت عليه، وقيل: السيئة الكبيرة. والإحاطة به أن يصر عليها فيموت غير تائب، قاله عكرمة والربيع بن خيثم وقال مجاهد: هي الذنوب تحيط بالقلب، كلما أذنب ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب وهي الرين. قال الكلبي: أوبقته ذنوبه، دليله قوله تعالى: {إلا أن يحاط بكم} [66- يوسف] أي تهلكوا {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} في التوراة، والميثاق العهد الشديد {لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {لا يعبدون} بالياء وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} معناه ألا تعبدوا فلما حذف أن صار الفعل مرفوعا، وقرأ أبي بن كعب: لا تعبدوا إلا الله على النهي {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي ووصيناهم بالوالدين إحسانا، برا بهما وعطفا عليهما ونزولا عند أمرهما، فيما لا يخالف أمر الله تعالى: {وَذِي الْقُرْبَى} أي وبذي القرابة والقربى مصدر كالحسنى {وَالْيَتَامَى} جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له {وَالْمَسَاكِينِ} يعني الفقراء {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} صدقا وحقا في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فاصدقوه وبينوا صفته ولا تكتموا أمره، هذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير وابن جريج ومقاتل، وقال سفيان الثوري: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وقيل: هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب: حسنا بفتح الحاء والسين أي قولا حسنا {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن العهد والميثاق {إِلا قَلِيلا مِنْكُمْ} وذلك أن قوما منهم آمنوا {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} كإعراض آبائكم.


قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} أي لا تريقون دماءكم أي: لا يسفك بعضكم دم بعض، وقيل: لا تسفكوا دماء غيركم فتسفك دماءكم، فكأنكم سفكتم دماء أنفسكم، {وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره، وقيل: لا تسيئوا جوار من جاوركم فتلجؤوهم إلى الخروج بسوء جواركم {ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} بهذا العهد أنه حق وقبلتم {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} اليوم على ذلك يا معشر اليهود وتقرون بالقبول.
قوله عز وجل: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} يعني: يا هؤلاء، وهؤلاء للتنبيه {تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي يقتل بعضكم بعضا {وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ} بتشديد الظاء أي تتظاهرون أدغمت التاء في الظاء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الظاء فحذفوا تاء التفاعل وأبقوا تاء الخطاب كقوله تعالى: {ولا تعاونوا} معناهما جميعا: تتعاونون، والظهير: العون {بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المعصية والظلم {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى} وقرأ حمزة: اسرى، وهما جمع أسير، ومعناهما واحد {تُفَادُوهُم} بالمال وتنقذوهم وقرأ أهل المدينة وعاصم والكسائي ويعقوب تفادوهم أي تبادلوهم، أراد: مفاداة الأسير بالأسير، وقيل: معنى القراءتين واحد.
ومعنى الآية قال السدي: إن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة أن لا يقتل بعضهم بعضا، ولا يخرج بعضهم بعضا من ديارهم، وأيما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، فكانت قريظة حلفاء الأوس، والنضير حلفاء الخزرج، وكانوا يقتتلون في حرب سمير؟ فيقاتل بنو قريظة وحلفاؤهم وبنو النضير وحلفاؤهم وإذا غلبوا أخربوا ديارهم وأخرجوهم منها، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه وإن كان الأسير من عدوهم، فتعيرهم العرب وتقول: كيف تقاتلونهم وتفدونهم قالوا: إنا أمرنا أن نفديهم فيقولون: فلم تقاتلونهم؟ قالوا: إنا نستحي أن يستذل حلفاؤنا، فعيرهم الله تعالى بذلك فقال: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} وفي الآية تقديم وتأخير ونظمها {وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} {وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} وإن يأتوكم أسارى تفادوهم، فكأن الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتال، وترك الإخراج، وترك المظاهرة عليهم مع أعدائهم، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن الكل إلا الفداء.
قال الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} قال مجاهد: يقول إن وجدته في يد غيرك فديته وأنت تقتله بيدك {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ} يا معشر اليهود {إِلا خِزْيٌ} عذاب وهوان {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فكان خزي قريظة القتل والسبي وخزي النضير الجلاء والنفي من منازلهم إلى أذرعات وأريحاء من الشام {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} عذاب النار {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عما تعملون} قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر بالياء والباقون بالتاء.
قوله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا} استبدلوا {الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ} يهون {عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} يمنعون من عذاب الله عز وجل.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13